الخطبة الثانية :
الحمد لله حمــدًا كثيرًا مباركًا فيه , وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له , وأشهد أن سيِّدَنا محمدًا
عبده ورسولـه , ما من طريق خير إلا دلَّنا عليه , وما من طريق شر إلا حذرنا منه , فصلى الله عليه
وعلى آله وصحبه أجمعين , أما بعد :
فكما جاء الثواب لمن أقامَ الصلاة , وأدَّى حقَّها من وضوء وطهارة , وخشوع , فكذلك جاء التحذير من التهاون بها ,
أو إهمال أدائها على الوجه الذي شرعه الله عز وجل , فقال سبحانه وتعالى في وصف المنافقين :
﴿ وَإِذَا قَامُواْ إِلَى الصَّلاَةِ قَامُواْ كُسَالَى يُرَآؤُونَ النَّاسَ وَلاَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلاَّ قَلِيلًا ﴾
وقال أيضًا :
﴿ وَلاَ يَأْتُونَ الصَّــــلاَةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَـــالَى وَلاَ يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ﴾
وقال سبحانــه وتعالى :
﴿ فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا ﴾
وقال :
﴿ فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى وَلَكِن كَذَّبَ وَتَوَلَّى ﴾
وقال أيضًا :
﴿ فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ ﴾
وجاء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم الترهيبُ عن ترك الصلاة فقال :
« العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر »
وقال:
« بين الرجل وبين الكفر ترك الصلاة » . .
وفي ليلة الإسراء والمعراج مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم بقومٍ تُرضخُ رؤوسُهم بالصخر , كلَّما
رُضخت عادت كما كانت , فقال : من هؤلاء يا جبريل ؟
فقال : هؤلاء الذين تتثاقلُ رؤوسهم عن الصلاة المكتوبة .
وقال عليه الصلاة والسلام :
« من حافظَ عليها كانت له نورًا وبرهانًا ونجاةً يوم القيامة , ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نورًا ولا برهانًا ولا نجاةً , وكان يوم القيامة مع قارون وفرعون وهامان وأُبي بن خلف » .
نعوذ بالله من هذه الرفقة الخبيثة .
وقال عليه الصلاة والسلام :
« خمسُ صلواتٍ كتبهن الله على العباد , فمن جاء بهن ولم يُضيعْ منهن شيئًا استخفافًا بحقهن كان له عند الله عهدٌ أن يدخله الجنة , ومن لم يأتِ بهن فليس له عند الله عهدٌ , إن شاء عذَّبه , وإن شاء أدخله الجنة » . .
أيها الإخوة : إن المسلم ليعجبُ , ويدخلُهُ الاستغراب مما يُشاهده من إضاعةِ الصلاة , واتباع الشهوات .
حتى أنك تجد الجمع الغفير من العمال والحرفيين إذا أُذِّن بالصلاة خرجوا من متاجرهم , وَوِرَشِهم
وذهبوا إلى البيوت , أو جلسوا في الطرقات ينتظرون الفراغ من الصلاة , وكأنهم غيرُ مخاطبين بهذا
النداء , وكأنهم ليسوا من المسلمين , حتى إن الرجلَ الصالحَ ليمرُّ بهم لا ينكر عليهم لكثرة عددهم , واتساع الخرقِ على الراقع .
وصنفٌ آخرُ من الناس لا يعرفون الصلاة إلا في يوم الجمعة , وآخرون لا يعرفون من صلاة الجماعة إلا
صلاة الظهر والمغرب , وقد قال عليه الصلاة والسلام :
« ليس صلاةٌ أثقلَ على المنافقين من صلاة الفجر والعشاء, ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا »
وقال في شأن صلاة العصر على الخصوص:
« من ترك صلاة العصر فقد حَبِطَ عملُهُ »
وقال : الذي تفوته صلاة العصر فكأنما وَتِرَ أهلَهُ وماله « أي فكأنما فَقَدَ أهله وماله »
وهذا في حق من ضيَّعها مرة واحدة , فكيف بمن يُضيِّعُها كل يوم , فأي خسارة بعد هذه , وأي ضياع بعد هذا ولا حول ولا قوة إلا بالله .
يقول عليه الصلاة والسلام :
« من صلى الصلوات لوقتها, وأسبغ لها وضوءَها, وأتمَّ لها قيامَها, وخشوعَها وركوعَها
وسجودَها, خرجت وهي بيضاءُ مسفرة, تقول حفظك الله كما حفظتني, ومن صلاها لغير وقتها , ولم يُسـبغ وضوءَهــا , ولم يُتمَّ لها خشوعَـها ولا ركوعَـها , ولا سجودَها خرجت وهي سوداءُ مظلمة تقول ضيَّعكَ الله كما ضيَّعتني , حتى إذا كانت حيث شاء الله لُفَّتْ كما يُلفُّ الثوبُ الخَلِق, ثم ضُربَ بها وجهُهُ » أي رُدت عليه صلاتُهُ ولا حول ولا قوة إلا بالله .
أكثروا من الصلاة والسلام على البشير النذير الذي أرشدكم إلى الخير , ودلكم عليه .
﴿ إِنَّ الله وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ﴾
اللهم صلِّ وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين , اللهم ارض عن الصحابة والقرابة , والتابعين , ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين .
اللهم أعز الإسلام والمسلمين , وأذل الشرك والمشركين , ودمر أعداء الدين .
اللهم أصلح أحوالنا , واغفر ذنوبنا , وبلِّغنا فيما يُرضيك آمالنا , برحمتك يا أرحم الراحمين .